التهاب الفم من الداخل: الأسباب، الأنواع، الأعراض، والعلاج

يُعتبر التهاب الفم من الداخل حالة مرضية شائعة تصيب البطانة الداخلية للفم وتشمل الشفتين، الخدين من الداخل، اللسان، قاع وسقف الفم. قد يكون الالتهاب بسيطاً ويزول من تلقاء نفسه، أو يكون مزمناً ويستدعي تدخلاً علاجياً خاصاً. تتعدد أسباب هذه الحالة بشكل كبير، ما بين العدوى الفيروسية أو الفطرية، إلى اضطرابات الجهاز المناعي، ونقص الفيتامينات أو حتى الآثار الجانبية لبعض الأدوية.

يُصنّف التهاب الفم إلى أنواع متعددة، حسب السبب أو الجزء المتأثر من الفم، ولكل نوع خصائصه السريرية وطريقته الخاصة في العلاج. يعاني المصابون عادةً من أعراض مزعجة تتراوح بين الألم، الحرقان، صعوبة تناول الطعام، أو حتى فقدان الشهية، ما يجعل التأثير على جودة الحياة ملحوظاً خاصة عند تطور الحالة إلى تقرحات مزمنة.

أنواع التهاب الفم

1. التهاب الفم القلاعي (Aphthous Stomatitis)

يُعد أكثر أنواع التهاب الفم شيوعاً، ويتميّز بظهور تقرحات صغيرة بيضاء محاطة بحلقة حمراء، غالباً ما تظهر في الخدين من الداخل أو على اللسان. تُعتبر هذه التقرحات غير معدية، ولكنها مؤلمة بشدة. يعود سببها إلى عوامل متعددة مثل نقص الحديد أو فيتامين B12، التوتر النفسي، أو استجابة مناعية غير طبيعية.

2. التهاب الفم الفيروسي (Viral Stomatitis)

تحدث هذه الحالة نتيجة عدوى فيروسية مثل فيروس الهربس البسيط (HSV-1) أو فيروس كوكساكي. وغالباً ما تصيب الأطفال، وتتميز بظهور تقرحات مؤلمة مصحوبة بحمى وتورم في الغدد اللمفاوية.

3. التهاب الفم الفطري (Candidiasis)

يرتبط عادةً بفطر “الكانديدا ألبيكانز”، ويشيع في الحالات التي يضعف فيها الجهاز المناعي مثل مرضى السكري، أو الذين يستخدمون المضادات الحيوية أو الستيرويدات لفترة طويلة. يُعرف أيضاً باسم “القلاع الفموي” ويظهر على شكل طبقة بيضاء تغطي اللسان أو البطانة الداخلية للخدين.

4. التهاب الفم التحسسي (Allergic Stomatitis)

ينتج هذا النوع عن تحسس الجلد المخاطي داخل الفم لمواد معينة مثل معجون الأسنان، غسولات الفم، أو الحشوات السنية المعدنية. تظهر الأعراض على شكل احمرار وحكة وقد تتطور إلى تقرحات.

5. التهاب الفم الناتج عن نقص الفيتامينات

يُعد نقص بعض الفيتامينات، خاصة فيتامين B2 (الريبوفلافين)، B12، والحديد من الأسباب المؤدية إلى تغيرات في مخاطية الفم والتهابها. تترافق الأعراض غالباً مع تشققات في زوايا الفم، التهاب اللسان، وشحوب داخلي في الفم.

6. التهاب الفم الكيميائي أو الحراري

ينتج هذا النوع من الالتهابات عن التعرّض لمواد كيميائية مهيجة أو تناول طعام أو مشروبات ساخنة جداً قد تؤدي إلى حروق داخلية. يعتمد مدى الضرر على قوة المادة ومدة التعرض لها.

الأسباب الشائعة لالتهاب الفم من الداخل

يتداخل عدد كبير من العوامل في ظهور التهابات الفم الداخلية، وفيما يلي أهم هذه الأسباب:

• العدوى الميكروبية: سواء كانت بكتيرية، فطرية، أو فيروسية.

• نقص المناعة: كما في مرضى السرطان، أو بعد زراعة الأعضاء.

• القلق والتوتر النفسي: يساهم في ظهور التقرحات القلاعية بشكل متكرر.

• سوء التغذية: نقص في العناصر الأساسية كالحديد والفيتامينات B وC.

• استخدام أطقم أسنان غير ملائمة أو حشوات تسبب جروحاً مزمنة.

• التعرض المزمن للدخان أو الكحول: له تأثير مباشر على بطانة الفم.

• العلاج الإشعاعي أو الكيميائي: يسبب تلفاً في الخلايا المبطنة للفم.

• الأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء أو متلازمة بهجت.

• الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي: مثل داء كرون أو الاضطرابات المعوية المزمنة.

الأعراض السريرية لالتهاب الفم

تختلف أعراض التهاب الفم حسب السبب وشدة الحالة، إلا أن هناك علامات شائعة يمكن ملاحظتها:

• تقرحات في الفم داخل الخد، على اللسان أو الشفتين.

• احمرار وتهيج في بطانة الفم.

• إحساس بالحرقان أو الألم خاصة عند تناول الطعام.

• رائحة فم كريهة غير معتادة.

• جفاف الفم في بعض الحالات.

• صعوبة في المضغ أو البلع.

• نزيف طفيف أحياناً من المناطق المتقرحة.

• ارتفاع طفيف في الحرارة في حالات العدوى الفيروسية.

التشخيص

يعتمد تشخيص التهاب الفم على الفحص السريري أولاً، حيث يقوم الطبيب أو طبيب الأسنان بفحص الفم بدقة. وفي بعض الحالات، قد يتطلب الأمر:

• أخذ مسحة من الفم لفحص وجود البكتيريا أو الفطريات.

• تحليل دم شامل للكشف عن نقص في الفيتامينات أو مشاكل في المناعة.

• خزعة نسيجية في حالات الاشتباه بأمراض مزمنة أو سرطانية.

• اختبارات تحسسية للكشف عن مسببات الحساسية.

علاج التهاب الفم من الداخل

العلاجات الدوائية

• مضادات الفطريات: مثل النيستاتين أو الفلوكونازول لعلاج القلاع الفموي.

• مضادات الفيروسات: مثل الأسيكلوفير في حالات الهربس.

• مضادات حيوية موضعية أو فموية في حال وجود عدوى بكتيرية.

• مسكنات الألم: مثل الباراسيتامول أو الأيبوبروفين لتخفيف الأعراض.

• غسولات الفم المطهرة: مثل الكلورهيكسيدين لتقليل نمو الجراثيم.

• مراهم موضعية مضادة للالتهاب تحتوي على الكورتيزون لعلاج القرحات المؤلمة.

• مكملات غذائية: عند وجود نقص في الحديد أو الفيتامينات.

العلاج غير الدوائي

• الحفاظ على نظافة الفم الجيدة من خلال تنظيف الأسنان مرتين يومياً.

• تجنب الأطعمة الحارة، الحمضية أو المالحة التي تهيج الفم.

• تجنب الكحول والتدخين.

• شرب كميات وفيرة من الماء لمنع الجفاف.

• استخدام واقيات الفم الليلية في حالة تقرحات بسبب الاحتكاك.

• ترطيب الفم بواسطة بدائل اللعاب في حالات جفاف الفم.

الوقاية من التهاب الفم

للوقاية من حدوث التهاب الفم أو تكراره، يُنصح باتباع الخطوات التالية:

• تجنب مشاركة أدوات الأكل أو الشرب مع الآخرين.

• تنظيف أطقم الأسنان الاصطناعية بانتظام.

• زيارة طبيب الأسنان بشكل دوري لفحص الحالة الصحية للفم.

• تناول نظام غذائي متوازن غني بالفيتامينات والمعادن.

• التقليل من التوتر والإجهاد النفسي.

• تجنب الأطعمة المهيجة للفم.

• التوقف عن التدخين وتناول الكحول.

الجدول التالي يوضح الفرق بين الأنواع الشائعة لالتهاب الفم:

المضاعفات المحتملة

إهمال علاج التهاب الفم من الداخل قد يؤدي إلى:

• انتشار العدوى إلى الحلق أو الجهاز الهضمي.

• فقدان الوزن بسبب صعوبة تناول الطعام.

• تحول بعض الحالات المزمنة إلى تقرحات سرطانية نادرة.

• ألم مزمن يؤثر على نوعية الحياة.

• التهاب ثانوي بسبب الخدش المستمر للمنطقة المصابة.

الخلاصة

التهاب الفم من الداخل حالة متعددة الأوجه تتطلب فهماً دقيقاً للسبب المؤدي إليها من أجل اختيار العلاج المناسب. يتنوع العلاج بين استخدام الأدوية الموضعية أو الجهازية، وتعديل نمط الحياة والعناية الشخصية بالفم. كما أن الوقاية تظل عاملاً حاسماً في الحد من تكرار الإصابة. فهم العوامل المحفزة وتجنبها، جنباً إلى جنب مع العناية المنتظمة بصحة الفم، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تقليل معدل حدوث هذه الالتهابات وتحسين جودة حياة المريض.

المصادر:

1. Mayo Clinic – Stomatitis: Causes and treatment.

2. MedlinePlus – Mouth Sores.